الاثنين، 7 نوفمبر 2016

رحلةٌ عبرَ الزمن إلى الحضارة الرومانية والعثمانية في فلسطين..لعماد ضيف الله

بقلم عماد ضيف الله

وعاد بنا باص السوشال ميديا إلى مهد الحضارة الكنعانية نابلس حيث كانت نقطة الإلتقاء والمحطة الأخيرة وبينهما رحلةٌ عبر الزمن.

رحلةٌ عبر الزمن ألهبت مشاعر الحنين والذكرى انطلق بها ثلاثٌ وخمسون مؤثراً على صفحات التواصل الإجتماعي بتنسيقٍ من تغيير للإعلام المجتمعي وبرعايةٍ من شركةِ جوال، انطلق بنا باص السوشال ميديا في ال8.30 من صبيحة يوم الجمعة من تشرين الثاني في العصر الحديث، كانت البدايةُ في عروس الشمال نابلس ثم عاد بنا الزمن إلى العهد الروماني في عاصمة فلسطين الرومانية سبسطية، تلك المدينة التي عايشت سبعةً عصور ٍ بدءاً بالعمالقة الكنعانين مروراً بالآشوريين والرومانين وانتهاءً بالمسلمين، كانت البداية فيها من بوابتها الغربية العظيمة وبرجا حمايتها، تلك البوابات التي تروي قصص أهل المدينة أن أهل مدينة يافا والساحل الفلسطيني كانوا يسمعون أصواتها حين تغلق بعد غروب الشمس لتحمي أهلها، دخلنا المدينة في وضح النهار وكانت الأعمدة الرومانية في شارع الأعمدة ودكاكين السوق في الإستقبال لكن الدكاكين لم تكن مفتوحة فعوامل التعرية والتاريخ منعت من بقائها قائمةً حالها حال كثير من آثار بلادنا المهمشة، سرنا في شارع الأعمدة متخيلين زُهُوَ تلك الحقبةِ الزمنيةِ العظيمة، لم تكن تلك الحجارة ُ الشاهد الوحيد على تاريخ المدينة فأشجار الزيتون الروماني وأشجار التين تحكي قِدَمَ هذه المدينة.

وصل بنا الباص إلى ساحة المدينة وفي بلديتها كان أعضاؤها في الإنتظار ليقوموا بأجمل ترحاب بدلاً من الإمبراطور الروماني الذي انتهت فترة حكمه وحكم الرومان بفتوحات الإسلام وبدلاً من سلطانها العثماني المرحوم عبد الحميد الثاني.

            المزار الثاني في كاتدرائية المدينة، عشنا فيها دوامةَ زمنيةَ كلما تحركنا فيها متراً، فكل حجر فيها له تاريخه الخاص ونقشه الخاص، تاريخ رومانيٌ وآخر بيزنطيٌ وآخر أيوبيٌ وآخر عثماني، كل هذه العصور لم يظهر إلا جزء يسيرٌ من آثارها وما ظهرَ منهُ سُرِقَ أغلبه وما بقيَ يشكو ثقافة شعبٍ لا يفقهُ شيئاً عن السياحة الداخلية.

            لم نغادر تلك الكاتدرائية حتى نسمع قصتها مع نبي الله الشهيد يحيى عليه السلام، فقد أوردت القصص أن الملك هيرودس قام بحبسه وقطع رأسه بسبب مواقف نبي الله يحيى الدينية وبتحريض من الراقصة سالومي ووعدته ان هو أعطى لها رأس يحيى ان تشرب الخمر فيه وأن يتزوجها، وبعد أن ذهبت عنه آثار السُكْر ندم على ذلك، سطر لنا التاريخ هذه القصة بتمثال للملك هيرودس ممسكاً لحيته بكلتا يديهِ كنانةً عن الندم كان حظ هذا التمثال وتمثال الإله الكنعاني بعل أفضل حظأ من 5 تماثيلٍ أخرى قام الاحتلال بسرقتها، ودُفِنَ يحيى عليه السلام في تلك الكاتدرائية جسداً بلا رأس وقام أتباعه بتهريب رأسه إلى مدينة دمشق وبنى الأمويون فوق رأسه المسجد الأموي تكريماً له.

            دياناتٌ كثيرةٌ تركت آثارها في سبسطية ربما كان أغلبها للدين الإسلامي والمسيحي ولكن تمثال الإله الكنعاني بعل ليدل على الوثنيةِ في تلك المدينة وإن كانت بسيطةً، غرفتان في مسجد السلطان او ما يعرف بمسجد يحيى جُعِلَتا ككتاتيبَ يُعلَمُ فيها أطفال المدينة لتدل على أهمية العلمِ والتعليم، وقبل أن نذهب إلى آثارٍ أخرى وقفت ضاحكاً على حال العرب والفلسطينين فالسياح الأجانب كان لهم الحضور الأكبر.

            وفي خضم التاريخ الروماني قَطعَ صوت أذان الجمعة أحبالَ التاريخ وتوقفت تلك القصة نصفَ ساعةٍ لنصلي صلاة الجمعة، لكن مدخل مسجد السلطان يذكركَ بأنكَ في حضرة السلطان عبد الحميد، انتهت الصلاة وزرنا قصر كايد وذهبنا لنسلم على ملوك الرومان في المقبرة الرومانية ذات الستة طوابق تحت الأرض، واكن أغلب تلك القبور كانت قد سُرقَت بوساطةِ الاحتلال وبعضها الآخر تَكسر خلال عملية السرقة، فسلمنا على من بقيَ منهم. ثم ذهبنا مسرعين لحضورِ احتفالٍ روماني على مدرج المدينة وكان الحضور كبيراً وانبهر الجميع بالدقة الهندسية التي كان يتمتع بها الرومان، ثم إلى معبد اغسطس فكنيسة الرأس التي ذُبِحَ فيها سيدنا يحيى فقرأنا على روحه السلام، انتهت آثار المدينةِ القديمة واكن أثراً جميلاً وجدناه بعدها فقد قام أحد أصحاب المطاعم بإعادة بناء مطعمه الذي هدمه الاحتلال قبل اسبوعين ليثبت لهم اصراره على البقاء، ثم تناولنا وجبة الغداء وقدموا لنا طبق المسخن.

            وفي ختام جولتنا في سبسطية وفي الحافلة امسكت هاتفي لألتقط آخر صورةٍ تذكاريةٍ لي مع المدينةِ ولكن مشهد منازل المدينة منع ذلك بسؤالٍ جالَ في خاطري أيمكنُ بعد عدةِ قرونٍ من الزمن أن تتحول منازلنا إلى آثارٍ يقصدها السواح ليشاهدوا آثار شعبٍ قاوم تسلطَ المحتل وجبروته من أجل أن يدافع عن أرضه ودينه واستطاع ذلك بقليل من أملٍ وكثيرٍ من عزمٍ وإصرار؟ كل تلك التساؤلات بددتها لافتةٌ واحدةٌ كتبَ عليها “سبسطية تودعكم” لأتذكرَ ان مدينة سبسطية حالها حال مدن فلسطين لم تنس أحداً زارها ولو كان عابراً فقد احتفظت بإسمها الذي أطلقه عليها المحتلون الرومان فكيف لها أن تنسى أهلها ومن دافع عنها وروّاها دَمُهُ.

            المحطة الثانية في قرية كور ذات الطابع العسكري العثماني وبين الحضارة الرومانية والحضارة العثمانية أناسٌ ذوو تاريخٍ دخيلٍ عابر أوجد لنفسه مكاناً بالقوة على أرضنا ففصل الماضي عن الحاضر ليكون المستقبل له بمستوطناتٍ تفصل المدن عن أخرياتها، أكملنا الطريق إلى قرية كور متجاوزين بذلك عدةَ عصورٍ من الزمان، فقرية كور أنشأها الشيخ حرب الجيوسي الموالي للدولة العثمانية وبنى فيها أحدَ عشرَ قلعةً لأبناءه على الطراز العسكري، ساهمت بشكل كبير في تصدي مدينة نابلس لهجوم نابليون بونابارت.

            امتاز أهل القرية عن باقي قرى الدولة العثمانية انهم ينحدرون إلى جد واحد هو الشيخ حرب الجيوسي، تقسيمة القلعة تدل على روعة الهندسة وعلى حرصهم على نسائهم، يتكون القصر من غرفة للحرس عند الباب الخارجي، والإسطبل في الطابق السفلي، ويكون الطابق العلوي للنساء لكيلا تُكشفَ على الضيوف والزوار، كل قلعة تحتوي على بئرٍ خاص ومخازنَ تتسع لأطنانٍ من الحبوبِ لتعيش حالةً من الإكتفاء تُعينها على الصمودِ في وجهِ أي حصار, والطريفُ في الأمر أن جميع أبوابِ القصر مزخرفةٌ حتى بابُ الإسطبلِ فيا لحظ تلك الخيول التي سكنت ذلك الاسطبل، وفي منتصف الجلسة مع الشيخ قطعَ الحديثَ اهتزازٌ تصدعت منه جدران القصر فأخبرنا الشيخُ أن كساراتِ الحجارة تستخدمُ المتفجرات لتفتيت الصخر فصدعت جدران القلاع التي لم تقدر على هدها آلات الحصار على مر الزمان, ودعنا الشيخ على أمل اللقاء به قريباً وقد تحققت أمنيته بحل مشكلةِ الكسارات.

المزار الأخير في كُفر رمان ولكنه كان في عصرنا الحديث، لم تكن زيارتنا للكفر لأجل الطبيعة الخلابة أو الآثار لكن لزيارةِ قامةٍ فريدةِ انعدم وجودها –الأستاذ عبد الرحمن عثمان- ولد في الكفر وسافر إلى دولٍ أوروبية لكنه لم ينسَ موطنه فعاد وقد جَمَعَ تحصيلةَ حياتهِ ليشتريَ منازل الكَفرِ المهدمةِ يرممها لا ليستفيدَ هو منها ولكن ليستفيدَ منها شبابُ الكفرِ وشاباته، كما أنه خصَصَ بيتاً منعزلاً لشاعرٍ أو كاتبٍ أو مسيقيٍ يريد أن يعيشَ بعزلةٍ لصناعة شئٍ جديد لمدة شهرٍ أو اثنين كل ذلك مجاناً لكن مقابلَ أن يجالسَ أطفال القريةِ نصفَ يومٍ أسبوعياً يقرأُ لهم، يعلمهم، ويثقفهم.

انتهت رحلةُ الزمنِ والمكانِ وعاد بنا باصُ السوشال ميديا إلى مدينةِ نابلسً حيث كانت نقطة الإلتقاءِ والمحطة الأخيرةُ في رحلتنا، ولكن عاد بأجسادنا أما أرواحنا فبقيت حبيسةَ تلك الرحلة، انتهت وظيفةُ القائمين على الرحلة وبدأت وظيفةُ كلِ شخصٍ فينا بتوعيةِ الناسِ على هذه المشكلات علنا نصلُ إلى حلٍ لنصلَ ماضي هذهِ الأرض بحاضرها ليكون المستقبل من صنعنا ولنسلنا من بعدنا.

للقراءة من المصدر الأصلي هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق